نقاط التوافق السري بين قحت والعساكر والإسلاميين..!
الخرطوم | برق السودان
بسُرعة لا تصدّق، تحوّل حلم التغيير والنهضة والإصلاح في السودان إلى كابوس، وكرّرت أحزاب الحرية والتغيير على سدة السُّلطة، تجربة الإسلاميين غير الموفقة في الحكم والإدارة، وقدّمت نُموذجاً مُخيِّباً جديداً يُؤكِّد الهوّة الواسعة بين المُمارسة الفعلية للسُّلطة، وبين التنظير وعالم الشعارات المُجرّدة والمثاليات.
لقد فشلت هذه الأحزاب بشكلٍ عجيبٍ ومُؤسفٍ في تجنُّب أخطاء الإسلاميين والحكومات الوطنية المُتعاقبة، لأنّ الأقنعة فقط هي التي تتبدّل ما بين مدني وعسكري، علماني وإسلامي، شمولي وديمقراطي، لكن العقلية البدائية القاصرة التي تصدر عنها ذات الأخطاء واحدة، ونحدِّد هنا بعضاً من الأخطاء المشتركة لجماعة الإنقاذ وتحالف الحرية والتغيير.
الخطأ الأول في قوى الحرية والتغيير المُنقسم، هو الاستيلاء على السُّلطة تحت غطاء الثورة وحكومة الكفاءات المُستقلة، ومُمارستها دون أدنى استعداد، لا كوادر مُؤهّلة ولا برامج ولا خُطط، ولقد كشف رئيس الوزراء السابق حمدوك، علناً أنّ الأحزاب لا تمتلك برنامجاً للحكم والإدارة، كما كشفت الممارسة الفعلية للحكم على أرض الواقع فداحة غياب الكفاءة والأهلية، وهذه خطأٌ مدمرٌ، أن يتصدّى جماعة لقيادة وبناء وإنقاذ دولة وشعب، وقدراتهم وعقلياتهم عاجزة عن الاضطلاع بأعباء هذه المهام الجِسَام.
الخطأ الثاني، احتكار السُّلطة والمناصب العامّة وصلاحية إدارة الدولة لفئةٍ قليلةٍ من الرفاق في التنظيم والمعارف والأصدقاء والمُقرّبين على أُسس حزبية وشخصية وشللية، دون أي اعتبار لمعايير الكفاءة والخبرة والجدارة، التي حلّت محلها اعتبارات الثقة الحزبية والأهواء الفردية، والحق إنه حتى الإنقاذ المهووسة الأولى أيام نجومية وحيوية يوسف عبد الفتاح، ربما لم تشهد تعيين هذا الكم الهائل من عديمي القدرات والمؤهلات في مواقع وزارية وقيادية.
الخطأ الثالث للأحزاب على خطى الإسلاميين، تعطيل القوانين وآليات المُحاسبة والمُساءلة وغض الطرف عن مُمارسات الفساد والمجون المالي والإداري حين تصدر عن الرفاق والحلفاء والمُقرّبين، فظهرت في وقتٍ وجيزٍ فضائح تناكر الوقود وعقارات الخمسين مليون دولار وغيرها، لتنضم إلى سلسلة طويلة من فضائح فساد الحكومات السودانية.
الخطأ الرابع، التستُّر على الفشل وعدم الأهلية للحكم والعجز عن أداء وظائفه الحيوية بآليات مُتعدِّدة لخداع الذات والجماهير، تشمل افتعال خُصُومات وخوض معارك وهميّة ضد الدولة العَميقة وكتائب النظام السابق، ورفع شعارات شعبوية تفتقر إلى الموضوعية والرصانة والجدية من نوعية (ستصرخون) و(صامولة صامولة) و(ألحسوا كوعكم)، وكذلك الانخراط في دوامة انشقاقات وصِراعات داخلية مريرة بلا ضوابط ولا سقف تجسّد غياب المشروع والشرعية، والتكالب المسعور على السُّلطة والثروة.
الخطأ الخامس للأحزاب على خُطى الإسلاميين، غياب النقد الذاتي ومراجعة التجربة وتحمُّل المسؤولية بنزاهة وشجاعة، والاستعداد للتنحي وإفساح المجال أمام تجربة جديدة، لتحل بدلاً من ذلك حالة من تضخُّم الذات وادّعاء المظلومية وخوض معركة مُقدّسة مع قِوى الشر، لذلك، لا تفكر قِوى الحرية والتغيير ولا الإسلاميون بالطبع، في مراجعة التجربة والإقرار بالأخطاء والاعتذار للمُواطنين وتغيير المسار، بقدر مُواصلة العراك المستميت والتآمر في سبيل العودة لاحتكار السُّلطة والثروة.
غنيٌّ عن الذكر أنّ أخطاء تحالف قوى الحرية والتغيير المنقسم المُشار إليها تشمل أمراء التمرُّد، وأنّ الأخطاء التي حدّدناها، سقط فيها كذلك العسكر الذين آلت إليهم السُّلطة كلها أو بعضها منذ عزل عمر البشير.
لكن الخطأ الآخر للأحزاب، الذي شذت به عن الإسلاميين والعساكر، هو الاستقواء بأطراف لدعم مشروع استعادة السُّلطة أو ما تيسّر منها.
إنّنا نأمل أن ترتقي جميع القوى الفاعلة في المشهد من الأحزاب والعساكر والإسلاميين وأمراء التمرد لمستوى التحديات وتعمل على تقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية، وتنجح في أداء أدوار إيجابية تسهم في استقرار البلاد وإخراجها من دوامة الفشل والأزمات.