تقارير

السودان بين الثورة والفوضى: من خان التحول الديمقراطي؟

من لم يتعلم من الثورة، سيتعلم من الفوضى

بورتسودان | برق السودان – تقرير 

بعد مرور أكثر من خمس سنوات على سقوط نظام عمر البشير في أبريل 2019، لا يزال السودان يتخبط في أزمة سياسية وأمنية خانقة، فشلت كل محاولات الخروج منها. من شراكة انتقالية وُصفت بالهشة، إلى انقلابات عسكرية متكررة، ثم إلى حرب شاملة، يبدو أن البلاد دخلت نفقًا مظلمًا لا يُرى له نهاية. والسؤال الذي يتردد في الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء: من خان الثورة؟

عسكر بلا مشروع وطني.. ومدنيون بلا قاعدة شعبية

بعد سقوط النظام، منح الشارع السوداني الثقة للقوى المدنية والعسكرية على أمل بناء دولة جديدة، لكن النتيجة كانت عكسية. فالعسكر، بقيادة عبد الفتاح البرهان ورفاقه، استغلوا المرحلة الانتقالية لترسيخ سلطتهم، دون أن يمتلكوا مشروعاً سياسياً واضحاً أو رؤية لبناء الدولة. كانوا يبحثون فقط عن شرعية السلاح، لا شرعية الشعب.

أما القوى المدنية، فسرعان ما دخلت في خلافات داخلية، وتحولت إلى كيانات متناحرة، تائهة بين تحالفات غير منسجمة، وعاجزة عن تقديم خطاب موحد يعبّر عن الشارع. انشغلت النخب بالمكاسب السياسية قصيرة الأمد، وابتعدت عن نبض الشارع الذي فجر الثورة.

النتيجة كانت فقدان الثقة من جميع الأطراف: فالعسكر يرون في المدنيين خصماً ضعيفاً، والمدنيون لا يجدون سندًا حقيقيًا من الشارع، بينما المواطن نفسه يشعر بأنه تُرك وحيدًا في وجه الجوع والموت والنزوح.

تدخلات إقليمية.. وأجندات دولية ساهمت في إجهاض التحول

لا يمكن الحديث عن إخفاق المرحلة الانتقالية دون الإشارة إلى التدخلات الإقليمية والدولية. فقد تحوّل السودان إلى ساحة صراع نفوذ بين قوى إقليمية ودولية، دعمت هذا الطرف أو ذاك، وفقًا لمصالحها، لا لمصلحة الشعب السوداني.

بعض هذه الدول دعمت الانقلابات ضمنيًا تحت مبرر “الاستقرار”، وأخرى موّلت كيانات سياسية لتقوية نفوذها في الحكومة، بينما بقيت الجهات الفاعلة المحلية أسيرة لهذه المعادلات الخارجية.

النتيجة أن السودان خسر قراره الوطني، وأصبح رهينة مصالح متقاطعة، تُدار من عواصم بعيدة، لا من قلب الخرطوم أو عطبرة أو نيالا.

الحاجة إلى مشروع وطني جامع.. لا تسويات نخبويّة

أمام هذا الانهيار، لا مخرج إلا بإعادة تعريف المشروع الوطني، ليس عبر اتفاقيات سياسية مؤقتة، بل من خلال حوار شعبي شامل يشارك فيه كل السودانيين من مختلف الأطياف، بمن فيهم ضحايا الحروب والمهمشين، وليس فقط السياسيين وقادة الأحزاب.

هذا الحوار لا بد أن يعيد وضع العسكر في حجمهم الطبيعي، كمؤسسة وطنية مهنية لا كحكم فوق الدولة، ويضع القوى المدنية أمام مسؤولياتها الحقيقية، لا أمام مقاعد المساومة.

كما يجب أن يترافق ذلك مع تفكيك النظام الأمني الموازي، ومحاربة الفساد، وبناء مؤسسات حقيقية لدولة القانون والعدالة.

“من لم يتعلم من الثورة، سيتعلم من الفوضى”.. هكذا كتب ناشط سوداني في مظاهرة بعطبرة، وكأنها نبوءة تتحقق اليوم. فإما أن يتعلم الجميع من دروس الثورة، أو يسقط الوطن كله في الفوضى التي لا تبقي ولا تذر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى