تقارير

حلايب وشلاتين.. من صفقة البشير إلى هيمنة مصر على القرار السوداني

صفقة منتصف التسعينات: التنازل مقابل النجاة من المساءلة الدولية

تقرير | برق السودان 

لم يكن ضم مصر لمنطقة حلايب وشلاتين بحاجة إلى توقيع من الفريق عبد الفتاح البرهان، فالقصة تعود إلى منتصف التسعينات حين أبرم المخلوع عمر البشير ما يشبه الصفقة السياسية مع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.

الاتفاق غير المعلن قام على مبدأ “المقايضة” (quid pro quo): التخلي عن المثلث الحدودي مقابل عدم تصعيد ملف محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا إلى مجلس الأمن. في ذلك الوقت، كانت القاهرة تتمتع بثقل دبلوماسي بعد مشاركتها في تحرير الكويت، بينما كان نظام البشير منهمكاً في حرب الجنوب، ما جعل حلايب وشلاتين خارج أولوياته.

دخول القوات المصرية ورفع العلم

المنطقة كانت شبه خالية من التواجد العسكري السوداني، باستثناء بعض أفراد الشرطة والجمارك. وفي خطوة مفاجئة، دخلت قوات مشاة مصرية إلى المثلث، وأخلت القوات السودانية، ثم رفعت العلم المصري على نقطة الجمارك.

مصادر حينها تحدثت عن أن العملية أسفرت عن مقتل عدد من عناصر الشرطة السودانية، لكن الخرطوم فضّلت التزام الصمت وتجنب التصعيد، وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً على وجود تفاهم مسبق بين النظامين.

خطاب الإسلاميين: الأيديولوجيا فوق الأرض

الإعلام الرسمي السوداني آنذاك، ممثلاً في خطب الجمعة بجامعة الخرطوم ومقالات الصحف الموالية مثل “الإنقاذ الوطني”، قلّل من أهمية المنطقة، واعتبر القتال عليها عبثاً، في مقابل التركيز على “الجهاد” ضد الحركة الشعبية في الجنوب.

هذا الموقف عكس أولويات الإسلاميين، حيث تقدمت الأيديولوجيا على مفهوم الوطنية، وتم تبرير التخلي عن أرض سودانية بدعوى أنها “قاحلة” ولا تستحق مواجهة مع دولة عربية مسلمة، بينما استمرت الحرب ضد الجنوب حتى انفصاله لاحقاً.

خريطة
صفقة منتصف التسعينات: التنازل مقابل النجاة من المساءلة الدولية

من البشير إلى البرهان: نفوذ مصري بلا قيود

في يونيو 1995، وبعد ما تردد عن محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في قمة أديس أبابا، اتهمت الحكومة المصرية نظيرتها السودانية بالتخطيط لعملية الاغتيال ورفض مبارك مشاركة الحكومة المصرية في مفاوضات وزراء خارجية منظمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا لحل النزاع الحدودي.

وفي عام 2000 قام مبارك بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب، وفرضت القوات المصرية سيطرتها على المنطقة منذ ذلك الحين.

وبعد أربع سنوات، أعلنت الحكومة السودانية أنها لم تتخلَ عن إدارة المنطقة المتنازع عليها ولم تهجرها أو تسلمها للمصريين، وأكدت تقديم مذكرة بسحب القوات المصرية إلى الأمم المتحدة. وقام مؤتمر البجا في ولاية البحر الأحمر في السودان بتوقيع مذكرة لاسترجاع إدارة المنطقة للسودان.

في عام 2010 تم اعتماد حلايب كدائرة انتخابية سودانية تابعة لولاية البحر الأحمر، وأقرت المفوضية القومية للانتخابات السودانية حق التصويت في الانتخابات السودانية لأهالي حلايب باعتبارهم مواطنين سودانيين، إلا أن سكان المنطقة من البشاريين انتقدوا تقاعس الحكومة المركزية في إتمام العملية.

أجريت الانتخابات البرلمانية المصرية لعام 2011 في نوفمبر، وشملت مثلث حلايب ونقلت صناديق الانتخاب إلى الغردقة بطائرة مروحية عسكرية مصرية لفرز الأصوات هناك.

في أواخر شهر أبريل 2013 زار رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق صدقي صبحي السودان، وأوصل رسالة للمسؤولين السودانيين تؤكد أن حلايب وشلاتين أرض مصرية خالصة، ولا تفريط فيها.

اليوم، يرى مراقبون أن مصر تجاوزت السيطرة على حلايب وشلاتين لتصبح صاحبة نفوذ مباشر على الحكومة السودانية وقرار قادة الجيش.

ويتهم هؤلاء البرهان بأنه أداة في يد القاهرة، ساهم بسياساته في تدمير البنية التحتية، وتهجير ملايين السودانيين، وإذكاء الصراعات القبلية. ويرون أن القضية لم تعد مجرد نزاع حدودي، بل تحول السودان بأكمله إلى ساحة نفوذ مصري، وحلايب وشلاتين لم تعد سوى جزء صغير من المشهد الأكبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى