
تحقيق استقصائي | برق السودان
في واحدة من أخطر التسريبات التي طفت على السطح مؤخراً، كشفت مصادر أمنية مطلعة عن معلومات مذهلة تتعلق بتوريد وتخزين واستخدام أسلحة كيماوية في السودان. وتعود أصول هذه المعلومات إلى أرشيف المخابرات السورية في عهد بشار الأسد، والذي تم تسليمه إلى الولايات المتحدة عن طريق مسؤول أمني سوري سابق.
تورط أكاديمي في غطاء زائف: أستاذ زراعة ومبيدات أم خبير كيماوي؟
وفقاً للوثائق التي اطّلع عليها محققون أميركيون، برز اسم أستاذ يعمل بكلية الزراعة في إحدى الجامعات السودانية، وهو متخصص في مجال المبيدات الكيميائية. وبالرغم من تخصصه الظاهري، إلا أن نشاطاته المثيرة للريبة أكدت أنه قد استُخدم كغطاء مدني لنقل وتخزين مواد كيماوية محظورة.
هذا الشخص عمل سابقاً في مسلخ الكدرو – وهو موقع قد لا يبدو ذا صلة مباشرة بالسلاح الكيماوي – إلا أن تقارير المخابرات كشفت عن زيارته المتكررة لسوريا خلال السنوات الأخيرة من حكم بشار الأسد، ما يثير تساؤلات حول أسباب تلك الزيارات وعلاقتها بنقل التقنية والمعرفة الكيماوية.
تعود أصول هذه المعلومات إلى أرشيف المخابرات السورية في عهد بشار الأسد والذي تم تسليمه إلى الولايات المتحدة عن طريق مسؤول أمني سوري سابق
ضابط رفيع ومهندس كيميائي: العقل العسكري خلف البرنامج الكيماوي
الشخص الثاني الذي ورد اسمه في الوثائق هو ميرغني إدريس سليمان، وهو ضابط في الجيش السوداني، مقرب من البرهان، يحمل رتبة رفيعة، إضافة إلى شهادة أكاديمية متخصصة في الهندسة الكيميائية من جامعة الخرطوم. ووفقاً للتسريبات، لعب ميرغني إدريس، دوراً محورياً في استلام ونقل الشحنات الكيماوية القادمة من سوريا عبر سلاح الجو، وتوزيعها على مستودعات تابعة لوحدات مختارة.
إحدى هذه الوحدات هي كتيبة البراء بن مالك، والتي كانت تتمركز في كلية التربية بجامعة الخرطوم. وقد استهدفتها غارة بطائرة مسيّرة مؤخراً، مما أدى إلى تسرب مادة الكلورين السام بحسب ما وثقته تقارير دولية لاحقة. ويُعتقد أن الضابط المذكور هو من أشرف شخصياً على تجهيز هذا المستودع وتدريب عناصر على استخدام السلاح.
الأرشيف السوري: أدلة وشحنات وأسماء
الوثائق التي سُرّبت من الأرشيف السوري تضمنت جداول مفصلة لعدد الشحنات التي أُرسلت من سوريا إلى السودان، وطبيعة المواد الكيميائية الموجودة فيها، إضافة إلى أسماء الضباط والمرافق التي استُخدمت للتخزين والاختبار. الأرشيف أيضًا تضمن أدلة على تجارب حية أجريت في مناطق نائية بالسودان، بمشاركة عناصر إسلامية مثل علي كرتي، وعلي عثمان وأسامة عبدالله، وعناصر أمنية وعسكرية ذات ولاء للحركة الإسلامية نافذة.
تشير التقارير إلى أن هذا التعاون بين النظام السوري وحلفائه في السودان بدأ منذ عام 2014 على الأقل، واستمر حتى اندلاع الحرب الحالية في 2023. وأكد مصدر أمني غربي أن الأرشيف السوري، الذي سلمته المعارضة السورية لحكومة واشنطن، قد يكون مفتاحاً لفهم خريطة انتشار السلاح الكيماوي في المنطقة.
أثر التسريب: هل تبدأ التحقيقات الدولية؟
هذه التسريبات تُشكل أساساً لتحقيق دولي واسع النطاق بشأن جرائم استخدام الأسلحة الكيماوية في السودان. وقد تؤدي إلى مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق عدد من الضباط والمسؤولين السودانيين المتورطين.
كما أنها تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية، خاصة وأن استخدام غاز الكلورين السام يُعدّ انتهاكاً صارخاً لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية التي وقّعت عليها الخرطوم عام 1999.
السودان على مفترق طرق خطير
في ظل تصاعد العنف وتزايد الانتهاكات ضد المدنيين، يكشف هذا التحقيق أن السلاح الكيماوي لم يكن مجرد احتمال، بل أصبح واقعاً صادماً. ومع كل تسريب، تقترب الحقيقة من الظهور، وتزداد المطالبات بمحاسبة من حول السودان إلى ساحة تجارب مميتة.