المنتصر غير المتوقع من إنهيار أسعار النفط في 2020 هو السعودية
رصد: برق السودان
✍ جيسون بوردوف – مجلة فورين بوليسي الأميركية
مع وجود (4) مليارات شخص في جميع أنحاء العالم تحت الحصار بسبب نمو فيروس كورونا، فإن الطلب على البنزين ووقود الطائرات ومنتجات البترول الأخرى في حالة سقوط حر، وكذلك أسعار النفط.
سعر برميل النفط الخام كان منخفضاً جداً في الولايات المتحدة لدرجة أن البائعين اضطروا مؤخراً إلى دفع أموال للناس للتخلص منه، ونتيجة لذلك، فإن الإقتصادات المعتمدة على النفط تترنح.
في الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم، إنخفض عدد حفارات التنقيب عن النفط بنسبة (50) في المائة في شهرين فقط، ويمكن أن يكون (40) في المائة تقريباً من منتجي النفط والغاز مطلوبين مالياً في غضون عام، كما ان من المتوقع أن يفقد (220) ألف عامل في القطاع النفطي وظائفهم.
وفي جميع أنحاء العالم، تكافح الدول النفطية من نيجيريا إلى العراق إلى كازاخستان من أجل دعم إقتصادياتها وتعثر عملاتها.
البعض، مثل فنزويلا، يواجهون الهاوية الإقتصادية والاجتماعية.
وفي الوقت الذي سيتم تذكر عام 2020 بإعتباره عام المذبحة للدول النفطية، إلا أن دولة واحدة على الأقل ستخرج على الأرجح من الوباء وهي الأقوى إقتصادياً وجيوسياسيًا: إنها المملكة العربية السعودية.
أولاً، تثبت المملكة العربية السعودية أن مواردها المالية يمكن أن تتغلب على عاصفة مثل هذه.
إن أسعار النفط المنخفضة مؤلمة بالطبع لبلد يحتاج إلى حوالي (80) دولاراً للبرميل لموازنة ميزانيته العامة، وهذا هو السبب في قيام موديز بتخفيض التوقعات المالية للسعودية يوم الجمعة الماضي.
وسجلت السعودية عجزاً قدره (9) مليارات دولار في الربع الأول من عام 2020.
وشهدت المملكة، مثل الدول الأخرى، إنخفاضاً في الإيرادات الضريبية لأنها تفرض قيوداً إقتصادية لوقف إنتشار الوباء.
وفي الأسبوع الماضي، قال وزير المالية السعودي إن الإنفاق الحكومي سيحتاج إلى “خفض عميق” وستؤجل بعض أجزاء خطة رؤية المملكة 2030 للتنويع الإقتصادي.
ولكن على عكس معظم منتجي النفط الآخرين، فإن السعودية ليس لديها إحتياطيات مالية فقط بل أيضاً القدرة الواضحة على الإقتراض.
في 22 أبريل، أعلن وزير المالية أن المملكة يمكن أن تقترض ما يصل إلى (58) مليار دولار في عام 2020.
وبالمقارنة مع معظم الإقتصادات الأخرى، فإن نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة نسبياً: (24) في المائة إعتباراً من نهاية عام 2019، على الرغم من ذلك فإن الرقم آخذ في الإرتفاع مؤخراً.
وقال وزير المالية أيضا إن السعودية ستسحب ما يصل إلى (32) مليار دولار من إحتياطياتها المالية.
ومع وجود (474) مليار دولار يحتفظ بها البنك المركزي في إحتياطيات النقد الأجنبي، تظل السعودية بشكل مريح فوق مستوى حوالي (300) مليار دولار، والذي يعتبره الكثيرون الحد الأدنى للدفاع عن عملتها، الريال المرتبط بالدولار.
ثانياً، سينتهي الأمر بالسعودية بإرتفاع عائدات النفط وحصة أكبر من سوق النفط بمجرد إستقرار السوق، وذلك بفضل تخفيضات الإنتاج والإغلاق بسبب الإنهيار الإقتصادي العالمي.
يضع الإنهيار النفطي الحالي الأساس لطفرة الأسعار في السنوات المقبلة – وبالتالي تزدهر الإيرادات النفطية للسعودية.
في حين أن التوقعات المستقبلية للطلب على النفط غير مؤكدة إلى حد كبير، بمجرد أن تنظر إلى ما بعد الأزمة الحالية، فمن المرجح أن ينمو الطلب بشكل أسرع من العرض.
تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ان يعود الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول نهاية عام 2020.
ووكالة الطاقة الدولية متفائلة تقريباً، حيث تتوقع أن يقل الطلب بنسبة (2 إلى 3) في المائة فقط عن المعدل لعام 2019 البالغ (100) مليون برميل لكل يوم بحلول نهاية العام.
وإذا إستمرت إجراءات إحتواء فيروس كورونا لفترة أطول من المتوقع أو كانت هناك موجة ثانية من الفيروس، فإن التعافي سيستغرق وقتاً أطول، لكن معظم السيناريوهات لا تزال تتوقع أن يتعافى الطلب في نهاية المطاف.
يمكن أن تؤدي التغييرات في نمط الحياة إلى خفض الطلب على النفط في المستقبل، لكن البيانات تشير إلى أن المرء يجب أن يكون متشككاً في توقعات التحولات الدائمة.
في الصين، على سبيل المثال، عاد السفر بالسيارات والشحن بواسطة الشاحنات بالفعل إلى مستوى العام الماضي تقريباً، على الرغم من أن السفر الجوي – الذي يمثل مع الشحن الجوي يمثل (8) بالمائة من الطلب العالمي على النفط – مازال منخفضاً بشكل حاد.
يمكن أن يزداد الطلب على النفط في الواقع إذا قرر عدد أكبر من الناس أن إستخدام السيارات الخاصة يجعلهم يشعرون بأمان أكثر من النقل الجماعي المزدحم.
ومن المرجح أن تخيب التوقعات التي تقول ان الطلب على النفط سينخفض بسبب إتباع سياسات جديدة لمكافحة التغير المناخي.
فالمخاطر الإقتصادية التي يفرضها وباء كورونا تهدد بتقويض طموح أولئك الداعين إلى سياسة بيئية جديدة، وكذلك التحول الحالي إلى الإنعزال والإهتمام بالشؤون الوطنية أولا ًوالإبتعاد عن التعاون العالمي المطلوب سيعرقل وضع سياسة مناخية فعالة.
وعلى النقيض من ذلك، سيستغرق الإمداد بالنفط وقتاً أطول في العودة مع فقد الإنتاج المحدود، وإلغاء الإستثمار في الإستخراج والإمداد الجديد للنفط، وتباطؤ ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وبعد ان دفعت وفرة النفط لتخزين النفط العالمي إلى أقصى الحدود – التخزين سيكون ممتلئاً في أقرب وقت ممكن هذا الشهر – فإنه سيتعين إغلاق عدد غير مسبوق من آبار النفط المنتجة.
القيام بذلك يخاطر بإتلاف الخزانات.
لن يعود بعض هذا العرض أبداً، وسيستغرق البعض وقتاً طويلاً وإستثماراً كبيراً لإعادة الإنتاج.
تتوقع شركة اينرجي اسبكت، وهي شركة إستشارية نفطية، أن يؤدي ما يجري إلى إتلاف (4) مليون برميل يوميًا من العرض.
كما خفضت شركات النفط الكبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل نفقاتها إستجابة لإنهيار الأسعار.
وحتى من دون أي نمو في الطلب على النفط، يجب توفير حوالي (6) مليون برميل يومياً من إمدادات النفط الجديدة كل عام فقط لتعويض إنخفاضات الإنتاج الطبيعية.
علاوة على ذلك، فإن النفط غير مفضل بالفعل مع المستثمرين المهتمين بعد العائدات الضعيفة لهذه الصناعة وإرتفاع الضغوط السياسية والإجتماعية.
سيستغرق النفط الصخري الأمريكي، على وجه الخصوص، سنوات حتى يعود إلى مستويات ما قبل الإصابة بفيروس كورونا.
إعتماداً على المدة التي يظل فيها الطلب على النفط منخفضاً، فانه من المتوقع أن ينخفض إنتاج النفط الأمريكي بنسبة (30) في المائة عن ذروته قبل فيروس كورونا والتي بلغت حوالي (13) مليون برميل يومياً.
ومن المؤكد أن ارتفاع أسعار النفط سيرفع إنتاج الولايات المتحدة مرة أخرى.
ولا يزال إنتاج النفط الصخري جيد إقتصادياً، خاصة بالنسبة للشركات ذات رأس المال الأفضل التي ستظهر بمجرد تغيير أصول الشركات المفلسة وتوطيد الصناعة.
ومع ذلك، فإن النمو النفط الصخري في السنوات الأخيرة (مع نمو الإنتاج بحوالي مليون إلى 1.5 مليون برميل يوميًا كل عام) يعكس أيضًا الوفرة غير المنطقية في الأسواق المالية: تمكنت العديد من الشركات الأمريكية التي تكافح من أجل الإنتاج غير الاقتصادي من البقاء في السوق بفضل ضخ الديون الرخيصة.
قد يكون ربع إنتاج النفط الصخري الأمريكي غير اقتصادي حتى قبل انهيار الأسعار، وفقا لايد موريس من سيتي قروب.
بدون هذه الشركات التي تشكل عبئا، سينمو انتاج النفط الصخري بشكل أبطأ.
يقول المحلل السابق ارجون مورتي في غولدمان ساكس انه حتى مع تعافي أسعار النفط الأمريكية إلى حوالي 50 دولارًا للبرميل، فإن نمو الناتج الأمريكي السنوي سيكون في مكان ما بين صفر و ٥٠٠ الف برميل يوميًا، وهو رقم ضئيل مقارنة بالماضي.
في الواقع، في الوقت الذي يمهد فيه فيروس كورونا الطريق لكثافة الطلب على النفط وارتفاع الأسعار، فإن السعودية، إلى جانب عدد قليل من دول الخليج الأخرى وروسيا، لن تستفيد من الأسعار المرتفعة فحسب، بل ستجد في الواقع فرصًا لزيادة حصتها في السوق وبيع المزيد من النفط.
حتى الآن، مع انخفاض الأسعار بشدة، تناقش السعودية والكويت جلب المزيد من النفط إلى السوق من حقل مشترك يمتد على حدودهما.
وقد يجد أعضاء أوبك الأكثر ضعفاً من الناحية الاقتصادية صعوبة في الاستثمار في إعادة تشغيل انتاجهم النفطي والحفاظ عليه (ناهيك عن زيادته) وبالتالي سيشهدون نمو بطيئا للانتاج.
هذا هو بالضبط ما حدث في إيران والعراق ونيجيريا وفنزويلا بعد انهيار اسعار النفط في 1998-1999.
وأخيرًا، عززت السعودية مكانتها الجيوسياسية من خلال دعم تحالفها المتهالك مع الولايات المتحدة وإعادة تأسيس نفسها كمنتج قادر على ضخ او قطع الانتاج حسب متطلبات اسواق النفط العالمية.
ومع تدافع المنتجين والمستهلكين الرئيسيين لمنع زيادة المعروض من النفط من إرباك مرافق التخزين في العالم، لجأوا أخيرًا إلى السعودية لقيادة أوبك والمنتجين الرئيسيين الآخرين في قطع انتاج تاريخي.
مع كل الحديث عن انشاء حصص لانتاج النفط في تكساس أو إنشاء كارتل عالمي جديد للنفط من خلال مجموعة العشرين، الا ان الاتصال بالرياض كان هو الخيار الحقيقي الوحيد المتاح لصانعي السياسات في نهاية اليوم – كما كان منذ فترة طويلة وذلك لأن السعودية كانت الدولة الوحيدة الراغبة في انشاء طاقة انتاجية فائضة تسمح لها بإضافة أو طرح الإمدادات من أو إلى السوق بسرعة مهما كان الثمن المرافق لذلك.
هذا الموقف الفريد – الذي كان واضحًا للعالم مرة أخرى – لا يمنح المملكة قوة على سوق النفط العالمية فحسب، بل يمنحها أيضًا تأثيرًا جيوسياسيًا كبيرًا.
في السوق العالمية، ستظل هذه الحقيقة قائمة حتى تستخدم الدول كميات أقل من النفط، والذي لا يزال يمثل هدفًا مهمًا لسياسة مكافحة التغيير المناخي.
ومن خلال قيادة الجهود الرامية إلى خفض إنتاج أوبك بلس، ذكّرت السعودية موسكو أيضًا بأن روسيا لا يمكنها أن تفعل ذلك بمفردها، كما حاولت القيام بذلك عندما انسحبت من مفاوضات أوبك بلس في مارس وأطلقت حرب الأسعار.
تعتمد موسكو على الرياض في إدارة سوق النفط أكثر من اعتماد الرياض على موسكو، مما يعزز يد السعودية في علاقتها مع روسيا – مع تداعيات محتملة في الشرق الأوسط، حيث تتمتع موسكو بوجود عسكري متزايد وتنمي الحلفاء بما في ذلك سوريا وعدو السعودية وهي إيران .
بالإضافة إلى ذلك، حسنت السعودية مكانتها في واشنطن.
فبعد ضغوط شديدة من البيت الأبيض وأعضاء مجلس الشيوخ الأقوياء، فإن استعداد السعودية للالتزام بخفض الإنتاج سيعكس بعض الأضرار التي لحقت بها عندما تم إلقاء اللوم على السعودية في انهيار النفط بعد أن ارتفع الإنتاج في مارس.
ربما تكون السعودية قد قوضت خطط المشرعين الأمريكيين لاقرار تشريع مناهض للأوبك.
من الصعب القول بأن منظمة أوبك هي منظمة كارتل ضارة عندما توسلت واشنطن من خلال الادارة والكونغرس لتتصرف وكأنها منظمة متحدة.
وسوف يزداد الزخم الأمريكي على اوبك بلس مرة أخرى في الأسابيع القادمة، عندما تؤدي قافلة من الناقلات السعودية، تم ارسالها خلال حرب الأسعار قبل شهرين، الى تسليم حمولتها إلى سوق أمريكية مشبعة بالفعل.
لكن هذا يعني فقط أنه سيتعين على السياسيين الأمريكيين مرة أخرى التماس الرياض لكي تمدد أو تعمق تخفيضات الإمدادات في اجتماع أوبك المقبل في يونيو.
قبل بضعة أسابيع فقط، بدت التوقعات بالنسبة السعودية قاتمة.
ولكن بالنظر إلى بضع سنوات مقبلة، من الصعب رؤية المملكة في أي شيء آخر غير في موقف القوي.
قد ينتهي الأمر بـفيروس كورونا بفعل ما فشل القادة السعوديون في فعله مرة واحدة من قبل، عندما تركوا أسعار النفط تنهار في أواخر عام 2014 في محاولة مضللة لإضعاف النفط الصخري الأمريكي. فسينتهي هذا الوباء بتعزيز الموقع الجغرافي السياسي للسعودية ، وتعزيز دورها المحوري في أسواق النفط، ووضع الاساس لحصة أكبر في السوق وعائدات نفط اكبر في السنوات المقبلة.
جيسون بوردوف، عضو سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي ومساعد خاص للرئيس باراك أوباما، وأستاذ الممارسة المهنية في الشؤون الدولية والعامة والمدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بكلية جامعة كولومبيا.