جنون “الترند” الرقمي: تقرير عن هوس الشهرة والانتشار على الإنترنت بلا ضوابط
عليك أن تسأل نفسك: هل أنت مستعد لدفع الثمن الأخلاقي والنفسي؟

تقارير | برق السودان
في عصر السرعة الرقمية، لم تعد الشهرة حكراً على النجوم والفنانين والسياسيين. لقد أصبحت مجرد “نقرة” أو “مقطع فيديو” أو “تحدٍ” غريب يفصل الشخص العادي عن الأضواء. هذا التحول خلق ظاهرة “جنون الترند الرقمي”، حيث يهيمن هوس الشهرة والانتشار السريع على سلوكيات الأفراد، ما يدفع الكثيرين إلى تجاوز الخطوط الحمراء والأخلاقية، والسعي وراء “الترند” بلا أي ضوابط أو قيود.
لماذا “الترند” هو العملة الجديدة؟
يكمن الجاذبية القاتلة للترند في معادلة بسيطة: الانتشار = المال والنفوذ. إن خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي (مثل تيك توك، يوتيوب، وإنستغرام) تكافئ المحتوى المثير للجدل أو الغريب أو الصادم بمعدلات انتشار هائلة. وهذا الانتشار يترجم مباشرة إلى:
1. عوائد مادية ضخمة: من الإعلانات، والهدايا الافتراضية، وعقود الرعاية.
2. نفوذ اجتماعي: اكتساب صفة “مؤثر” (Influencer) والقدرة على تشكيل الرأي العام أو الترويج لمنتجات.
3. إشباع نفسي: الحصول على القبول والتقدير اللحظي عبر آلاف الإعجابات والتعليقات، ما يغذي الرغبة البشرية الأساسية في الانتماء والظهور.
إن سهولة الوصول إلى هذه المكافآت دفعت البعض إلى اعتبار “صناعة الترند” وظيفة حقيقية، حتى لو كان ثمنها هو التنازل عن القيم.
التكلفة الخفية: حينما تغيب الضوابط
هذا السباق المحموم نحو الصدارة الرقمية غالباً ما يأتي بتكلفة باهظة، خاصة عندما يغيب الوعي والرقابة الذاتية والأخلاقية:
1. التدهور الأخلاقي ومخاطر السلامة
في محاولة لضمان التفرد، يلجأ صانعو المحتوى إلى محتوى غير لائق أو خطير. وهذا يشمل:
• التحديات المتهورة: مثل تحديات القيادة الخطرة، أو تناول مواد ضارة، أو حتى الإيذاء الجسدي للنفس أو للآخرين للحصول على ردود فعل.
• انتهاك الخصوصية: تصوير الآخرين دون موافقتهم، أو الكشف عن معلومات شخصية في سبيل “السبق الصحفي” أو الإثارة.
• الدراما المصطنعة: فبركة الخلافات العائلية أو الحوادث المأساوية أو قصص الفقر لجمع التعاطف والمشاهدات.
2. تشويه الوعي الجمعي
عندما يصبح المحتوى السطحي أو السلبي هو الرائج، فإن ذلك يؤثر سلباً على المعايير الثقافية والتعليمية للمجتمع، خاصة فئة الشباب والمراهقين. فبدلاً من التركيز على المعرفة أو الابتكار، يصبح التركيز على كيفية التصرف بـ “غـرابة” أو “سذاجة” ليصبح الشخص مقبولاً في الدائرة الرقمية.
3. الأثر النفسي المدمر
هذا الهوس بالشهرة يخلق جيلاً يعاني من “قلق الأداء الرقمي”. القيمة الذاتية للفرد تبدأ بالارتباط بعدد المتابعين أو المشاهدات. أي تراجع في التفاعل يُنظر إليه على أنه فشل شخصي، ما يؤدي إلى:
• اكتئاب ما بعد الشهرة: عند اختفاء الأضواء بسرعة.
• الإدمان القهري: الحاجة المستمرة لإنتاج محتوى جديد للبقاء على “الترند”.
• التوحد الاجتماعي: الانفصال عن الحياة الواقعية والانغماس الكامل في الذات الرقمية.
الخلاصة: هل من حل؟
إن مشكلة جنون الترند لا تكمن في المنصات نفسها بقدر ما تكمن في غياب “فلتر الوعي” لدى المستخدمين. لا يمكن فرض رقابة شاملة على ملايين صانعي المحتوى، لكن يمكن العمل على محورين لضبط هذا الهوس:
1. المسؤولية الذاتية للمنصات: يجب على شركات التواصل الاجتماعي تطبيق ضوابط أكثر صرامة لوقف ترويج المحتوى الضار أو المضلل، وتعديل الخوارزميات بحيث لا تكافئ المحتوى المتدني أو الخطر بالانتشار الهائل.
2. التوعية المجتمعية والتربية الرقمية: يجب على العائلات والمؤسسات التعليمية تعزيز مفهوم “المرجعية القيمة”، وتوعية الأجيال الشابة بأن الشهرة الحقيقية والمستدامة تأتي من المحتوى الهادف والمفيد، وليس من اللحظات العابرة والمصطنعة.
إن العودة إلى أساسيات الجودة والأخلاق هي السبيل الوحيد لإنقاذ الفضاء الرقمي من فوضى “الترند” التي تهدد بتدمير الإبداع والوعي الاجتماعي.
ما هي الخطوات العملية التي تراها أكثر فعالية لإعادة التوازن بين البحث عن الشهرة والالتزام بالمسؤولية الأخلاقية في الفضاء الرقمي؟