الأخبار

نقاشات “الفردانية” و”الحريات الشخصية” في المجتمع السعودي

الخرطوم | برق السودان

التغيرات المتسارعة التي يمر بها المجتمع السعودي، ثقافياً وسلوكياً وتشريعياً، والتي رافقتها “رؤية المملكة 2030″، كانت محفزة على النقاشات بين النخب المدنية والدينية، خصوصاً فيما يتعلق بـ”الحريات الشخصية” و”الفردانية” وحق الإنسان في العيش وفق الطريقة التي يختارها، دون وصاية من أحدٍ، طالما أنه لا يقوم بعملٍ مخالفٍ للقانون الذي هو المرجعية النظامية للسعوديين.

هذه السجالات تتنوع من مدينة لأخرى، وقد تختلف في بعض التفاصيل الصغيرة المحلية، إلا أنها في لُبها تشير إلى تباينٍ واضحٍ في الآراء بين وجهتي نظر، “محافظة” وأخرى “منفتحة”، وهو اختلاف طبيعي جداً، تمر به جميع الأمم. المحافظون وبالأخص المتشددون منهم، يتوجسون من أي تغير، ويخشون أن يقود إلى خلخلة بُنى الأعراف والتقاليد الراسخة، وزعزعة القيم الدينية التي ورثتها الأجيال. فيما المنفتحون على قيم العصر، يعتقدون أن الحياة بطبيعتها تسير نحو التطور والتبدل، وأن مقاومة التحديث لن تفضي إلا لمزيد من الجمود والانغلاق، وأن المدنية ليست على تضاد مع الدين.

نموذج القطيف

محافظة القطيف، شرق السعودية، يمكن أخذها كمثالٍ على الحوارات الجارية، سواء في المجالس أو المنتديات، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعكس تبايناً في الآراء يصلُ حد التضاد في أحيان كثيرة.

هنالك الآن مظاهر مدنية عدة، وتحديداً في مدن المحافظة الرئيسية: القطيف، وسيهات، وصفوى. حيث تنتشر المقاهي الحديثة، بتصاميم جذابة، وخدمات تتنافس فيما بينها، وتوفر خيارات ترفيهية عدة.

عددٌ من هذه المقاهي والمطاعم، تزدحم بالشبانِ والفتيات والعائلات أيضاً، التي تأتي للجلوس وشربِ القهوة أو تناول الوجبات أو تدخين “الأرجيلة”، دون حواجز بين الطاولات، وعلى أنغام الموسيقى. مشهد مألوفٌ جداً واعتياديٌ في مدن مجاورة كالخبر والظهران، وهو سلوكٌ يوميٌ في مدنٍ كبرى كالعاصمة الرياض وجدة. إلا أن هذا الانفتاح النسبي، رأى فيه بعض “الدعاة” وجمهور مناصر لهم من التيار “المحافظ”، مدعاةً للامتعاض، واعتبروه سلوكاً “مشيناً”، فيما هو وفق آخرين مجرد ممارسة اعتيادية للحياة اليومية التي يعيشها ملايين السعوديين.

المراقب يلحظ أن: الموسيقى، والأماكن المختلطة، وحرية الفتيات في ارتداء الملابس المناسبة لهن.. وسواها من السلوكيات الاجتماعية، ليست إلا عناوين هامشية لقضية أساسية أكبر، وهي النظرة لمفهوم “الحريات الشخصية”، ومدى قبول التيار الديني المحافظ لها، وهل باستطاعته التعامل بمرونة مع النقد الموجه لخطاب “الوعاظ” ووجهات النظر التي يطرحها المثقفون المدنيون.

الثواب والعقاب

فوزي السيف، عالم دين سعودي، له محاضرة بعنوان “مغالطة العقل والحرية”، يقول فيها “أنت حرٌ تحت سيدٍ، ولك حق الاختيار، وعليه يترتب أن تعاقب أو لا تعاقب”، مضيفاً “أنت حر في الاختيار، لكن إذا اخترت تلك الجهة.. فيوم القيامة عذاب شديد”، متسائلاً “أين الحرية، حيث يفترض أن الإنسان الحر، سواء أخذ هذا الطريق أو ذاك، فليس هنالك شيء ينتظره.. إنما هنا، إن اتخذت هذا الطريق أُثبتَ، وإن اتخذت ذلك الطريق فعذاب شديد”.

إذن، الشيخ السيف، ينطلق من منظور ديني كلاسيكي خالص، يقوم على ثنائية الثواب والعقاب، وضرورة التزام الإنسان بالأحكام الشرعية، ووفق ذلك يجب أن ينتظم سلوكه!

ازدراء المخالفين

السيف في طرحه، ورغم أنه يرتكزُ على مبتنياتٍ تقليدية، فإنه لا يذهبُ نحو “الإكراه” أو ممارسة القهرِ ضد المختلفين معه في رأيه، على العكس من بعض الآراء التي تتبناها شخصيات دينية أخرى، كماجد السادة، والذي يتموضعُ في خانة صلبة ضد أي رأي يأتي من خارج منظومته القيمية، حيث كتب في صفحته الخاصة بموقع “فيسبوك”، ما نصه “لماذا الليبراليون يحاربون العلماء وتوجهاتهم الدينية؟ ببساطة لأن مجتمعاتهم المتدينة تلفظهم وما يحملوه من قيم التفلت الأخلاقي، فلا يجدون لأنفسهم مكاناً وقيمة في مجتمع يعطي لكلمة علمائه وتوجهاتهم قيمة واعتبارا”.

السادة في طرحه يسعى لتكريس سلطة “الوعاظ”، وذلك من خلال تصوير المجتمع وكأنه تابع مخلص لخطاب “الدعاة”، وأن من يخرجُ عن الجادة هم نزرٌ يسيرٌ لا قيمة لآرائهم، لأن الاعتبار محرزٌ لـ”كلمة” العلماء وحسب.

إذن، هنا نموذج مغاير لطرح فوزي السيف، رغم أن السادة والسيف ينتمون لذات الصنفِ “علماء الدين”، إلا أنهما يتباينان في الأسلوب والطرح، ما ينعكس بشكلٍ واضحٍ على مفردات خطابهما.

المصدر: العربية

اقرأ ايضاً :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى