الأخبارتقارير

38عاماً على إعدام مؤسس “الحزب الجمهوري” المفكر محمود محمد طه

رأى أن التنظيم أكبر العقبات في طريق البعث الإسلامي الواعي وآراؤه السياسية أدت إلى مقتله وليست أفكاره الدينية

الخرطوم | برق السودان

في 18 يناير من يناير (كانون الثاني) تكون قد مرت 38 سنة على إعدام مؤسس “الحزب الجمهوري” المفكر السوداني محمود محمد طه بواسطة نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري بعد أن دانته إحدى المحاكم بجريمة الردة عن الإسلام.

وكان طه المولود سنة 1909 في مدينة رفاعة بإقليم الجزيرة وسط السودان انتظم في صفوف الحركة العمالية مدافعاً عن العدالة الاجتماعية ضد المستعمر البريطاني، فأصدرت السلطات آنذاك قراراً بنقله من عمله إلى مدينة كسلا شرق السودان عام 1937. وبعد أعوام أسس حزبه الداعي إلى الاستقلال وإقامة نظام جمهوري في السودان عام 1945 مما أدى إلى غضب السلطات والأمر بسجنه، ولكنه خرج بعد أن نجح أتباعه في الضغط على السلطات فأصدر الحاكم العام البريطاني عفواً شاملاً عنه.

وعندما فعلت سلطات الاستعمار قانون منع ختان الإناث المعروف بـ”الخفاض الفرعوني” في سبتمبر (أيلول) 1946 عارض “الحزب الجمهوري” هذا القانون باعتبار “أن العادات لا تحارب بالقوانين من ناحية، وباعتبار أن الاستعمار إنما يرمي إلى إظهار السودانيين كشعب بدائي غير متحضر مستحق للوصاية من ناحية أخرى”.

وعندما اعتقلت السلطات إحدى السيدات التي أجرت عملية ختان لابنتها، خطب طه في مسجد رفاعة وقاد احتجاجاً شعبياً مع أهالي المدينة الذين اقتحموا سجن رفاعة وأطلق سراح المرأة، فأصدرت السلطات حكماً بحبسه لمدة عامين.

ولادة الفكرة

قضى طه سنتي السجن في العبادة والصيام “الصمدي” وهو الصيام لمدة سبعة أيام متواصلة ليفطر في اليوم الثامن، وهكذا. وعندما خرج من السجن اعتكف في مدينة رفاعة لمدة ثلاث سنوات ثم خرج من معتكفه، في أكتوبر (تشرين الأول) 1951، معلناً مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية أطلق عليها “الفكرة الجمهورية”، أو “المذهبية الإسلامية الجديدة” التي تقوم على “الحرية الفردية المطلقة، والعدالة الاجتماعية الشاملة، ليتجه الحزب الجمهوري من ملء فراغ الحماس إلى ملء فراغ الفكر”.

ثم أصدر الكتب التي يتحدث فيها عن مذهبه مثل كتاب “قل هذه سبيلي”، و”الدعوة الإسلامية الجديدة”، و”دستور السودان” و”الرسالة الثانية في الإسلام” حتى زادت كتبه ومنشورات الجمهوريين على 200 كتاب. وكان يعرف بين أتباعه بلقب “الأستاذ”، بينما يطلق على أعضاء التنظيم “الإخوان الجمهوريون”. وبينما لا يزال “الحزب الجمهوري” ينشر فكره عبر موقعه واللقاءات والمنتديات وغيرها، لا يزال مناهضوه ينشرون كتباً وفتاوى مضادة، إذ أخذ كثير من الكتاب مختلفي المذاهب مآخذ على الفكرة الجمهورية وعارضوها ورماه بعضهم بالردة عن الإسلام.

ومن أقواله التي ظلت مثيرة للجدل المنشورة في موقع “الفكرة الجمهورية” عن الموت، “الموت بمعنى الفناء ليس هناك، فبالموت يغير الحي قشرته فقط، يخرج من صدفته التي ظلت تكنه ردحاً من الزمن. وهو يكره مفارقتها لجهله بخير منها، فالإنسان لا يموت، وإنما يتخلص من القوقعة كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية. وتبرير الإسلام للموت أنه سير إلى الله، سير من البعد إلى القرب، وهذا لجميع الناس”. أما البعث فقال فيه “هو تيقظ الفكر، واستيفاز الشعور ، بعد أن يكون النوم أو الموت أو الجهل أرخى عليهما أستار التبلد والانحلال”.

وقال في باب المرأة “هذا باب نحب أن يدخله الداخلون سجداً، لأنه يعالج شأناً هو أخطر شؤون الأرض على الإطلاق وهو المرأة، والمرأة في الأرض كالقلب في الجسد إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائره”.

خرج طه من السجن واعتكف لمدة 3 سنوات أعلن بعدها أفكار “الإسلامية الجديدة” عام 1951.

“هذا أو الطوفان”

أمام المحكمة الشرعية في 1968 صدر على محمود محمد طه حكم بتهمة الردة عن الإسلام، ولكنه رفض الامتثال لأمر الحضور إلى المحكمة التي حكمت عليه غيابياً. ثم أصدر الجمهوريون كتاب “الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة”. وجهوا فيه انتقادات لاذعة للنميري، فسجنه مع عدد من الجمهوريين، ثم أصدر النميري “قوانين سبتمبر” (أيلول) في 1983 بعد أن بايعه الترابي وبعض القضاة وأسبغوا عليه وصف “أمير المؤمنين”، زاعماً تطبيق الشريعة الإسلامية. وظهر النميري بنفسه على شاشة التلفزيون وهو يكسر أول زجاجة خمر على الأرض وسط هتاف الجماهير خصوصاً “الإخوان”.

ومن خلال محاكم الطوارئ نفذت السلطة أحكامها على السودانيين التي وصفها قانونيون بأنها “تهم لم تستوف الأركان الموجبة للتطبيق، شملت معاقبة معارضين للنظام إضافة إلى التشهير في أجهزة الإعلام”. وأرجعت بعض الآراء قيام النميري بذلك “بغرض إرهاب الناس وإلهائهم عن الفشل الذريع الذي أصاب سياسته”.

أطلق سراح “الأستاذ” في 19 ديسمبر (كانون الأول) 1984، وفي 25 من الشهر ذاته، تصدى لتلك المحاكم بإصدار منشور حمل عنوان “هذا أو الطوفان”، هاجم فيه “قوانين سبتمبر” بأنها “مخالفة للشريعة وللإسلام، وأنها وضعت لإرهاب الشعب وإذلاله، وهددت الوحدة الوطنية وشوهت الدين وجعلت من الإسلام فزاعة”، واستقطب البيان قطاعات واسعة من المجتمع السوداني.

اعتقل طه في الخامس من يناير (كانون الثاني) 1985 مع عدد من الجمهوريين، وعرض على محكمة الطوارئ بعد يومين ووجهت له تهمة “إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة والخروج من الملة عن طريق رفض أركان الإسلام وأحكامه الثابتة، أي الردة بحسب قوانين سبتمبر”. وبعد رفضه كل المحاولات التي جرت معه لثنيه عن تلك الأفكار، ورفضه شرعية المحكمة، أصدر عليه حكم الإعدام بالردة برئاسة القاضي المكاشفي طه الكباشي في العاشر من يناير، ليتم تنفيذ الحكم في 18 يناير 1985.

تنافس سياسي

تباينت ردود الفعل حول إعدام محمود محمد طه، إذ استنكرت “الحركة النقابية الوطنية” صدور الحكم متصدية لما يريده النظام لإسكات المعارضة، وجاء بيان “الهيئة النقابية” لأساتذة جامعة الخرطوم احتجاجاً على “إذلال الفكر ومصادرة حرية التعبير وتنكر النظام للدستور”. وكذلك أصدرت “نقابة المحامين” مذكرة ناعية تجاوز إجراءات التقاضي ودرجاتها الاستئنافية. أما “الإخوان المسلمون” فقد عبر حسن الترابي عن تأييدهم لإعدام الأستاذ محمود بقوله، “محمود محمد طه لا يعرفه أهل السودان سياسياً لأن دعوته دينية، لأنه رجل له قضية، وقضيته ضد الدين الذي تعرفونه من الإسلام بالضرورة”.

أشار بعض الكتاب إلى أن “آراء محمود محمد طه السياسية هي التي أدت إلى إعدامه وليست أفكاره الدينية في الصلاة والعبادات والتشريعات والأحوال الشخصية التي نشرت في أوقات مختلفة قبل ذلك”. فعندما بدأ “الإخوان الجمهوريون” في نشر أفكار “الأستاذ” اتهم بالردة في عام 1968، وعندما انقلب جعفر النميري على فترة الديمقراطية في 25 مايو (أيار) 1969 أيد “الأستاذ” حكمه في مقابل أن يسمح لمجموعته بالعمل “الدعوي”.

بداية السبعينيات وفي خضم نشاط “الحزب الجمهوري” ودعوته لم يكن بالساحة قوى سياسية، واستمر ذلك إلى المصالحة التي تمت في 1977 مع حزب “الأمة” بزعامة الصادق المهدي و”الجبهة الإسلامية القومية” بقيادة حسن الترابي، فأثر ذلك في مكانة محمود محمد طه والجمهوريين لدى النميري. وأصبح التنافس شديداً على تقديم المشاريع الفكرية والسياسية والقاعدة الجماهيرية التي أراد النميري تقوية شعبيته من خلالها. ومن هذه التيارات السياسية الثلاث، تبنى النميري أفكار الترابي التي تبلورت بعد ذلك في قوانين سبتمبر 1983، نسبة إلى القاعدة الجماهيرية العريضة التي استطاع الترابي استقطابها في تلك الفترة من الطلاب خصوصاً من الجامعات والعمال وغيرهم.

اقرأ ايضاً :

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى