تجنيد الأطفال في السودان.. اعتراف وزير التعليم يفضح المؤسسة العسكرية
استغلال الحرب وحرمان 15 مليون طفل من التعليم

الخرطوم | برق السودان
أثار تصريح وزير التعليم السوداني التهامي الزين، بإعفاء الطلاب المشاركين في العمليات العسكرية من الرسوم الدراسية، موجة غضب واسعة في الأوساط الحقوقية والقانونية، حيث اعتبر بمثابة اعتراف رسمي من الحكومة بتورط الجيش والمجموعات المتحالفة معه في تجنيد الأطفال واستخدامهم وقودًا للحرب الدائرة في البلاد. التصريح، الذي جاء في وقت يتصاعد فيه الجدل حول مشاهد مصورة لضحايا من الأطفال في معارك كردفان، فتح الباب أمام أسئلة خطيرة حول مستقبل أجيال بأكملها، واحترام الدولة لالتزاماتها الدولية.
تصريحات الوزير لا يمكن التعامل معها كـ”خطأ فردي” بل هي تأكيد لوجود سياسة منهجية لتسليح القاصرين وهو ما يشكل جريمة حرب وفق البروتوكولات الدولية
خبراء القانون الدولي
اعتراف رسمي يضع الحكومة في دائرة الاتهام
يرى خبراء القانون الدولي أن تصريحات الوزير لا يمكن التعامل معها كـ”خطأ فردي”، بل هي تأكيد لوجود سياسة منهجية لتسليح القاصرين، وهو ما يشكل جريمة حرب وفق البروتوكولات الدولية. السودان سبق أن صادق على اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري الخاص بمنع إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، ما يجعل الاعتراف الحكومي مادة دامغة لأي مساءلة أممية.
المشاهد التي وثقها نشطاء في الأيام الماضية من معارك كردفان، والتي أظهرت أطفالًا في الزي العسكري يقاتلون إلى جانب مجموعات متحالفة مع الجيش، تعزز هذا الاعتراف وتفضح حجم الانتهاكات. الناشطون اعتبروا أن ما جرى “إفلاس أخلاقي” للمؤسسة العسكرية، التي بدلاً من حماية الأطفال، سمحت باستخدامهم في ساحات القتال.
استغلال الحرب وحرمان 15 مليون طفل من التعليم
التقارير الحقوقية تشير إلى أن أكثر من 15 مليون طفل سوداني حرموا من حقهم في التعليم منذ اندلاع الحرب، ما جعلهم في مرمى الاستقطاب من قبل المليشيات والتنظيمات المسلحة. هذه الأخيرة تستغل الفراغ النفسي والتعليمي للأطفال وتدفعهم إلى جبهات القتال تحت وعود وهمية تتعلق بالبطولة أو المكاسب المالية.
لجنة معلمي السودان وصفت حديث الوزير بأنه “انتهاك فج” لحقوق الطفل، ودليل على غياب أي رؤية حكومية لحماية الأجيال. وحذرت اللجنة من أن الدولة، بقبولها الضمني لتجنيد الأطفال، تعرض نفسها لعقوبات دولية وملاحقات قانونية، كما تفتح الباب أمام كارثة اجتماعية ستدفع ثمنها البلاد لعقود قادمة.
قراءة سياسية: عجز عسكري وغطاء سياسي
المراقبون ربطوا بين الاعتراف الحكومي وبين العجز المتنامي للمؤسسة العسكرية عن تعويض خسائرها البشرية في المعارك. الجيش، الذي يعاني من نزيف حاد في الجنود وتراجع الروح المعنوية، يجد في الأطفال وقودًا سهلًا لتعويض النقص. تصريحات الوزير جاءت لتمنح هذا المسار غطاءً سياسيًا عبر مكافأة الطلاب على مشاركتهم بالقتال، بدلًا من اتخاذ إجراءات رادعة بحق المجموعات التي تجندهم.
سياسيًا، يشير ذلك إلى أن الحكومة تعيش حالة ارتباك وفقدان السيطرة على حلفائها من المليشيات الإسلامية والقبلية، التي تفرض أجندتها على الأرض بعيدًا عن أي التزام بالقوانين أو المواثيق. هذا الارتباك يكشف عن مأزق مزدوج: داخلي يهدد استقرار المجتمع السوداني مستقبلًا، وخارجي يعرض السلطة الحالية لعزلة أشد وضغوط دولية متزايدة.