الخرطوم: برق السودان
✍ عوض إبراهيم عوض
من أجمل ما أثلج الصدر في وسط إحباطات الحظر والغلاء والأحزان المتتالية في الأسابيع الماضية نبأ إسترداد لجنة تفكيك التمكين للفندق الكبير من شركة هوليداي فيلا الأجنبية التي باعته لها حكومة السودان خلال سنوات الخصخصة الكالحة التي أفقدت السودان كثيراً من مقدراته ومؤسساته وأراضيه العزيزة.
ومصدر البهجة التي عمت نفوسنا بقرار لجنة تفكيك التمكين هذا يعود إلى سنوات بعيدة وهي الفترة التي باعت فيها حكومتنا هذا الفندق.
كانت المشترية هي فتاة ماليزية مليونيرة في مقتبل العمر، وكانت طالبة عندنا في الجامعة العالمية بكوالالمبور. وقد درست على أيدي عدد من السودانيين خلال سنواتها بالجامعة. وعندما طرحت حكومة البشير ذلك الفندق للبيع تقدمت هذه الفتاة وزوجها للشراء وفازا بالصفقة. وهي تملك عدداً من الفنادق الفاخرة بكوالا لمبور. وطارت هي وزوجها إلى الخرطوم لاستلام الفندق.
وبالفعل تسلمت غنيمتها الكبيرة على شارع النيل بجوار فندق السودان، وسددت ما عليها من مبلغ الشراء، وعينت الإدارة التي تقوم بتسيير الفندق وعادت إلى ماليزيا وهي وزوجها المليونير.
وبمجرد عودتها إلى كوالالمبور اتصلت بأساتذتها من السودانيين ودعتهم إلى حفل عشاء في منزلها الفاخر بوسط المدينة. وعندما وصلنا وكان معنا عدد من دبلوماسيينا بسفارة السودان وقلنا لها حمد الله على السلامة، توجهت إلينا بسؤال محرج لو كنا ندري أنها ستبدأ به دعوة عشائها لما لبينا دعوتها أصلاً. وكان السؤال هو: (يا اخواننا أنا أسألكم سؤال، هل حكومة السودان هذه مجنونة أم جاهلة؟) ودهشنا جميعاً للسؤال المفاجئ، ورد عليها أحدهم بسؤال: هل يا ترى خدعوكِ ووجدت أن الفندق لا يستحق؟ أم هل رفضوا تسليمك الفندق؟ أم هل كانت الصفقة كاذبة؟ أم ما ذا؟
وكان ردها: (لا هذا ولا ذاك)، بل استلمت الفندق ووقعت عقود الاستلام، والفندق الآن ملك حر لشخصي. وقد غيرت اسمه من (الفندق الكبير) إلى (قراند هولي دي فيللا).
ولكن سؤالي نبع من دهشتي كيف تجرؤ حكومة السودان على بيع كنز ثمين مثل هذا ولشخص أجنبي؟ وسألناها ما هو الكنز الثمين؟ فقالت: (بمجرد وصولي للخرطوم وقبل إتمام الصفقة طلبت أن أتجول في الفندق وأن أطلع على خرائطه وأوراقه وتاريخه منذ إنشائه. فلما قرأت كل ذلك قلت لنفسي كيف تجرؤ حكومة عاقلة على بيع كل هذا الإرث التاريخي لوطنها ولشخصٍ أجنبي؟ لقد وجدت أن هذا الفندق قد شهد أعظم وأخطر وأهم مراحل تاريخ السودان الحديث.
وقد نزل به عمالقة صناع السياسة في العالم ومنهم: الزعيم السوفيتي لونيد برزنيف، وباني نهضة الهند جواهر لال نهرو، والزعيم اليوغسلافي العظيم جوزيف بروز تيتو، وملكة بريطانيا أليزابث الثانية، وزعيم العروبة الخالد جمال عبد الناصر، وملكة إفريقيا غير المتوجة الفنانة العظيمة مريام ماكيبا، وباني نهضة السعودية الملك فيصل بن عبد العزيز. فهل يمكن أن تضحي حكومة السودان بمكان شهد كل هذا التاريخ وتبيعه لأجنبي؟) وضحكنا عندما رد عليها أحد إخوتنا الظرفاء قائلا: (والله حكومة السودان دي لو جاءها برزنيف بنفسه لباعته لك).