
تقرير | برق السودان
في خطوة مفاجئة وغير مفهومة، تناقلت وسائل إعلام محلية معلومات عن اقتراب صدور قرار بتعيين الدكتور كامل إدريس، رئيسًا لمجلس الوزراء بصلاحيات تنفيذية واسعة. القرار، الذي لم يُعلن رسميًا بعد، أثار موجة من الاستغراب والرفض، ليس فقط بسبب غياب الشفافية في آلية الترشيح، بل أيضًا بسبب السجل المهني المثير للجدل لإدريس خلال رئاسته للمنظمة العالمية للملكية الفكرية.
في بلدٍ يتطلع إلى إصلاح حقيقي وبناء مؤسسات خالية من الفساد والولاء الشخصي، يُطرح سؤال جاد: هل هذا هو الشخص المناسب لقيادة المرحلة؟ أم أن الحلقة السياسية ما زالت تدور في فلك إعادة تدوير الشخصيات المتهالكة؟
لم يكن كامل إدريس يومًا شخصية خالية من الجدل. فعندما كان على رأس المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) عصفت بالمنظمة أزمات إدارية كادت تطيح بمصداقيتها الدولية.
فضائح إدارية تطارد إدريس منذ سنوات
لم يكن كامل إدريس، يومًا شخصية خالية من الجدل. فعندما كان على رأس المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، عصفت بالمنظمة أزمات إدارية كادت تطيح بمصداقيتها الدولية. أبرز تلك الأزمات كانت فضيحة تغيير تاريخ الميلاد، حيث كشفت شركة التدقيق الدولية “برايس ووترهاوس كوبرز” أن إدريس، عمد إلى تغيير سنة ميلاده من 1945 إلى 1954، ليمنح نفسه فرصة الاستمرار في المنصب لفترة ثالثة، وهو سلوك لا يمكن وصفه إلا بالخداع المؤسسي.
وما زاد الطين بلة أن التقرير ذاته كشف عن شبكة من التعيينات المشبوهة في صفوف المنظمة، حيث تم توظيف أفراد لا يملكون الكفاءة، معظمهم من أبناء سفراء ودبلوماسيين، في محاولة لكسب دعم سياسي من دولهم، على حساب مبدأ الكفاءة المهنية.
تقرير الشركة أوصى بإلغاء ما يقارب 200 وظيفة، أي ربع موظفي المنظمة، ما يدل على مدى الترهل والفساد الإداري الذي ساد في تلك المرحلة. هل هذه مؤهلات رجل يُكلف اليوم بقيادة حكومة انتقالية في بلد تمزقه الحرب ويعاني من انهيار مؤسسات الدولة؟
التوقيت والرسالة الخاطئة
توقيت هذا التعيين – إن تم – يمثل إهانة صريحة لآمال الشارع السوداني. فالشعب الذي خرج من ثورة تطالب بالعدالة والشفافية والمؤسسات، يُفاجأ اليوم بتدوير شخصية تلاحقها التقارير الدولية، وتاريخها في الإدارة محفوف بالمحاباة والاختلال الوظيفي.
أية رسالة تبعث بها السلطة حين تكافئ شخصًا أثبت فشله الإداري في الخارج بمنصب سيادي في الداخل؟ إنها رسالة واضحة: لا مكان للكفاءة ولا اعتبار لتاريخ الشخص، بل المعيار هو الولاء أو القدرة على خدمة أجندات معينة، حتى لو كان الثمن هو مستقبل بلد بأكمله.
ما وراء الكواليس: إعادة تموضع الإسلاميين أم فشل في إنتاج قيادة جديدة؟
في ظل انعدام الشفافية بشأن آلية اختيار إدريس، تبرز أسئلة مشروعة عن الجهات التي تقف خلف هذا التوجه. هل هي محاولة لإعادة تدوير واجهات ناعمة للتيار الإسلامي؟ هل هو توازن محسوب ضمن محاصصات غير معلنة؟ أم أن المنظومة الحاكمة وصلت إلى درجة من الإفلاس السياسي جعلتها تبحث في أرشيف الأسماء المستهلكة؟
أيًّا كانت الإجابة، فإن إعادة كامل إدريس، إلى المشهد التنفيذي تعني أن عقل الدولة ما زال أسيرًا للصفقات لا الرؤية، وللمجاملات لا المعايير، وهو ما سيزيد من تعقيد المشهد السوداني ويُضعف ثقة الداخل والخارج في أي عملية إصلاح مرتقبة.
تعيين كامل إدريس – إذا ما تم – هو إعلان صريح بأن الدولة لا تريد أن تتعلم من أخطائها، بل تصر على إعادة تدوير الأزمات ووجوهها. القرار لا يعكس توجهًا نحو الإصلاح، بل يعمق الانطباع بأن البلاد تُقاد بعقلية المساومات لا بعقلية المؤسسات.
فمن يُكافئ الفشل، لا يحق له الحديث عن مستقبل أفضل.